بسم الله الرحمن الرحيم
سلام على ال ياسين
ماذا تعرف عن كميل بن زياد (رضوان الله عليه)
وهذه الشخصية من الشخصيات التي التحقت بركب الشهداء، كان في قلبه حب أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه، وكان هذا الحب ظاهرا عليه، وهو من ضحايا ظلم الحجاج، ظفر به وقُتل في حب علي -عليه السلام- وولايته.. نحن نعتقد أن الله -عز وجل- كافأه بمكافأة معجلة، قبل أن يقتل في سبيل الله عز وجل.. فأعطاه هذه الجائزة المعجلة، وهو هذا الدعاء الذي أجري على يده.
إن لدعاء كميل قصة، وهي: كان أمير المؤمنين -عليه السلام- جالساً في مسجد البصرة، ومعه جمع من أصحابه، فسأله أحدهم عن تفسير الآية الكريمة {ففِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ}.. فقال الإمام عليه السلام: هي ليلة نصف من شعبان (أي ليلة 15 شعبان)، ثم أقسم الإمام قائلاً: والذي نفس علي بيده!.. ما من عبد إلا وجميع ما يجري عليه من خير أو شر مقسوم له في ليلة النصف من شعبان إلى آخر السنة في مثل تلك الليلة المقبلة، وما من عبد يحييها ويدعو بدعاء الخضر (عليه السلام) إلاّ اُجيب له.. فلما انصرف طرقته ليلا فقال (عليه السلام): ما جاء بك يا كميل؟.. قلت: يا أميرالمؤمنين دعاء الخضر فقال: اجلس يا كميل، إذا حفظت هذا الدعاء فادع به كلّ ليلة جمعة، أو في الشهر مرة، أو في السنة مرة، أو في عمرك مرة؛ تكف وتُنصر وترزق ولن تعدم في المغفرة.. يا كميل!.. أوجب لك طول الصحبة لنا، أن نجود لك بما سألت.. ثمّ قال (عليه السلام) اكتب... تهيأ كميل للكتابة، وراح الإمام يتلو عليه الدعاء الذي يردده اليوم الملايين المسلمين حيث اشتهر بـ "دعاء كميل".
ونحن نعرف أن دعاء كميل يقرأ في النصف من شعبان، وفي ليالي الجمعة.. ويفهم من روايات أهل البيت (ع): أن ليلة النصف لها ارتباط بليلة القدر، ولكن كيف يكون الارتباط؟.. يبدو -والله العالم- أن المقدرات تكتب في ليلة النصف من شعبان، أي من الممكن أن تكتب المسودة الأولى، ثم في ليلة القدر تبرم الأمور.
إن دعاء أمير المؤمنين -عليه السلام- فيه هذه الخاصية: إنه لو قرأ في العمر مرة، لا في ليلة الجمعة فقط، بالطريقة التي يريدها أمير المؤمنين؛ فإنه سينال المطلوب.. رب العالمين يستحي من عبده المؤمن إذا طلب منه طلبا، يعني إذا خرج وانقدح الطلب من قلبه، وليس فقط قرأ الدعاء بلسانه.. فهناك فرق بين تلاوة الدعاء وبين الدعاء!.. إذا خرج الطلب من قلبه، ولم يكن هنالك ما يحبس الدعاء، وهو هذا الشرط الثاني.. هذا الطلب يصل إلى العرش، إذا وصل إلى العرش رب العالمين ما الذي يمنعه من أن يستجيب هذا الدعاء؟.. إن البعض قد يستغرب أو يستكثر من ثواب بعض الأعمال، في كتب الدعاء يقال: من قرأ هذا الدعاء، له ألف قصر في الجنة.. ويقال أيضا: من قرأ عبارة من هذا الدعاء في خمس دقائق، أعطى هذا الثواب العظيم.. ولهذا هناك عبارة جميلة تقول: إن الذي يشك في هذا الأجر العظيم غير المتوقع، يشك في أحد أمرين: إما أنه يشك في قدرة الله عز وجل، وإما أنه يشك في كرم الله سبحانه وتعالى!.. وكلاهما باطلان، بل من أسباب الكفر.. رب العالمين قادر وكريم، ما الفرق بين أن يعطيك قصرا أو يعطيك ألف قصر؟.. القضية كن فيكون، وانتهى الموضوع!.. ولهذا علي -عليه السلام- يقول: في العمر مرة، إذا خرج الطلب ووصل، انتهى الأمر، (تكف وتُنصر وترزق ولن تعدم في المغفرة).
إن الإمام (ع) طلب من كميل حفظ الدعاء، وقد أملاه عليه، وكميل كتبه.. ومن هذه العبارة يبدو أن المتن متن منقح، حفظه كميل ونقله إلينا، قال: يا كميل!.. أوجب لك طول الصحبة لنا، أن نجود لك بما سألت.. أي هذه العلاقة الطويلة معنا، ثمرتها ظهرت في تلك الليلة.. انظروا إلى هذه الثمرة، الإنسان قد يزور، وقد يذهب للحج أربعين سفرة، أو ثلاثين سفرة؛ ولكن تظهر الثمرة في سفرة من السفرات، فلا تعلم ما هي السفرة التي يرشح لك فيها الخير الكثير!.. كميل كان مع أمير المؤمنين، ولعله شاركه في غزواته، ولكن لم يحصل على هذه الجائزة العظمى، إلا في تلك الليلة في البصرة.. ونحن بعد قرون اجتمعنا هذه الليلة، لنتدارس دعاء كميل.
فإذن، إن المؤمن لا ينتظر الجوائز معجلة، وبناء رب العالمين على اختبار صبر العباد.. فالذي يريد أن يأخذ الجائزة فورا، هذا إنسان لا يمكنه أن يسير في طريق القرب إلى الله عز وجل، مثلا: يسمع أحدنا بركات صلاة الليل، فينوي هذه الليلة أن يصلي صلاة الليل.. وصلاة الليل توجب سعة الرزق، وتوجب نور الوجه ونور الفؤاد.. يصلي لمدة أسبوع وأسبوعين، أو شهر وشهرين؛ فلا يرى شيئا في حياته، فيترك هذه الصلاة، ويقول: صلاة الليل لا توجب ما توقعناه.. بينما الذي يريد أن يقطف الثمار من المستحبات، عليه أن يواظب على هذا المستحب سنة على الأقل، من المرجو بعد تلك السنة أن يرى بعض الثمار.. وإلا لو كان عندما يصلي صلاة الليل، تنزل عليه ياقوتة حمراء، أو زبرجدة خضراء؛ لكان كل الناس من أولياء الله عز وجل.. فإذن، إن البناء على كتمان الإسرار، وعدم التعجيل في الجوائز.
سؤال: هل هذا الدعاء دعاء الخضر؟.. وهل علي -عليه السلام- وهو وصي رسول الله، يحتاج إلى دعاء الخضر حتى يتعلم منه؟.. من هو الخضر، هل هو من الأحياء؟.. هل هو الذي لاقاه موسى -عليه السلام- في تلك القصة المعروفة في سورة الكهف؟..
لا بأس أن نسلط الضوء قليلا على الشخصية الثانية في دعاء كميل، ألا وهو الخضر.. يبدو من بعض العبارات أنه كان نبيا رغم أن الآية تقول: {فَوَجَدَا عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَا} وصفة هذا العبد {آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا}.. فالقرآن لم يصرح أنه نبي، ولكن التعبير {وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا} وما قام به من حركات غريبة: من قتل إنسان بريء، وخرق السفينة؛ هذا العمل لا يجوز شرعا، {أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَّقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُّكْرًا} فموسى -عليه السلام- لم يستطع الصبر؛ لأنه مأمور بحسب الشريعة، وهذا العبد الصالح يقوم بما هو فوق الشريعة، وهذا يعني أنه يأخذ الأوامر من الله -عز وجل- مباشرة بنحو الاستثناء.. فمال الغير لا يجوز إتلافه، وهذه قاعدة عامة؛ وكذلك قتل النفس.. ولكن الخضر له إذن خاص؛ ومعنى ذلك أن هذا الرجل في درجة عالية من القرب إلى الله تعالى.
لنقلّب ما هي خصوصيات الخضر؛ حتى بعد ذلك نعلم لماذا علي -عليه السلام- يقول: هذا الدعاء هو دعاء الخضر؟.. وكونه دعاء الخضر؛ يعني أن هذه المضامين كانت عنده، ولا غرابة في ذلك مادام هذا الدعاء في قلب الخضر، والخضر عبد من عباد الله، علمه الله من لدنه علما، ما المانع أن يكون هذا العلم قذف في قلب الخضر، ورب العالمين قذف هذا الدعاء في قلب أمير المؤمنين عليه السلام؟.. وبعبارة أخرى: رب العالمين علمه الخضر بلغته سواء العبرانية أو غيرها، وعلمه علي -عليه السلام- باللغة العربية.. فإذن، هذا ليس معناه أن عليا -عليه السلام- في مرتبة أقل من الخضر وهذا واضح!.. وعلينا أن نعلم أن الخضر كان في زمان موسى عليه السلام، وموسى من الأنبياء أولي العزم.. وحسب الظاهر المرتبة الرسمية لموسى -عليه السلام- أرقى من الخضر، فالخضر عبد صالح له علم خاص، ولكن ليس معنى ذلك أنه أرقى من موسى عليه السلام.. وعلي -عليه السلام- وصي النبي الخاتم، ونحن نعلم أن النبي الخاتم أرفع منزلة من موسى عليه السلام، ولعلي -صلوات الله عليه-علم الكتاب {كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ} علي وارث علم القرآن من النبي، هو القرآن الناطق، فإذن من المسلّم أن منزلته أرقى من هذا العبد الصالح.
إن الوسام الأول الذي علقه القرآن الكريم على صدر الخضر، أنه عبد {فَوَجَدَا عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَا}.. هذا الوسام الذي نذكره نحن أيضا للنبي الخاتم في التشهد (وأشهد أن محمدا عبده ورسوله) العبودية أولا، ثم الرسالة ثانيا.. فلولا أنه عبد لما صار رسولا، وعلي -عليه السلام- لولا أنه عبد لما صار وصيا.. ونحن كذلك: إذا أردنا أن نصبح لله أولياء مقربين، متقين؛ فإن الطريق الأول هو طريق العبودية.. ولا نعني من العبودية، إلا أن يستشعر الإنسان بأنه مأمور في هذه الدنيا بأوامر ونواهي، ولا فضل له في ذلك.. مشكلتنا نحن أنه عندما نقوم بطاعة متميزة، مثلا: شاب يختلي مع فتاة، كخلوة زليخة مع يوسف، ثم يجاهد نفسه.. صحيح هذا سعيه مشكور، ويجزى خير جزاء!.. ولكن من التحليل والدقة، لا نرى بأنه قام بأمر عجيب غريب، فهو مأمور أن لا يقترب من هذه الفتاة، وأن لا يلمسها وانتهى الموضوع!.. لو أن هذه الحركة، أو هذه الخلوة كانت في محضر السلطان، والسلطان له أعوانه وله جلاوزته؛ لما تجرأ أن يعمل خلاف ما يريده السلطان في محضره.. وهو الآن في محضر سلطان السلاطين، في محضر رب العالمين.. فإذن، إن واقع الحال أنه ما قام بشيء يورث له العجب.
إن مشكلة الشباب عادة تعود إلى القضايا النسائية، والقضايا النسائية تعود إلى النظر.. فالذي لا ينظر؛ لا يتفاعل ولا يثار.. فإذا لم يتفاعل ولم يثار؛ لن يرتكب الحرام.. ولهذا نقول: اقضوا على الحرام في مهده، لأنه إذا زرعت بذرة الحرام ونبتت؛ عندئذ من الصعب أن تقلع هذه الشجرة.. إن الذي لا ينظر، وخاصة للمناظر المثيرة؛ هذا بمثابة من أعطاك جهاز تصوير وقال لك: هذا الجهاز أمانة عندك، صوّر به ما تشاء من الصور، إلا المنظر الفلاني، وإلا الزاوية الفلانية.. هذه لك هدية مجانية، إلى ستين سنة، وهذا الجهاز في يدك.. والذي يلتزم بهذا الشرط يعتبر بطل نادر، لأنه إنسان عمل بالشرط وانتهى الأمر!.. إن رب العالمين أعطاك عينين، لو خيرت بين نعم الدنيا وقصورها، وبين سلب نعمة البصر؛ سوف تقول: خذوا مني ما تشاؤون، واجعلوا لي نعمة البصر حتى أنظر إلى الطبيعة، اجعلوني في كوخ أنظر إلى زوجتي وأولادي وإلى الطبيعة، ما لي وللقصور والبيوت!.. رب العالمين أعطاك هذه النعمة الصغرى لمدة ستين أو سبعين سنة، وقال: انظر إلى ما تريد إلا إلى الوجوه المحرمة.. انظر إلى النساء، ولكن من دون ريبة أو شهوة، والفتاوى الموجودة الآن تقول: إن النظر جائز إذا كان بنية صافية، من دون وجود خلفيات باطنية.. فإذن، إن الذي يستعمل هذه من دون النظر إلى النساء، ما قام بأمر ملفت جدا.. ولكن من دون معرفة هذه الخلفية نقول: هذا الشاب لا نظير له، هذا الشاب في جنة الفردوس، هذا الشاب كذا وكذا.
{فَوَجَدَا عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَاآتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا}.. هذا العلم ما جاء من الكتب، وليس من مصاحبة موسى عليه السلام، بل موسى استفاد منه عندما {قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا} فهو معلمه، وموسى كليم الله، وهو من أنبياء أولي العزم.
وعليه، فإن باب المعرفة، وباب الإلهام، وباب التعليم الإلهي؛ مفتوح للجميع.. وفي القرآن الكريم، عينات من غير الأنبياء، تثبت أن هناك اتصالا بين رب العالمين وبين هذه الموجودات، مثلا: أولا في عالم الطبيعة، وليس فقط في عالم بني آدم، رب العالمين عندما يصل إلى النحلة، والنحلة حشرة ما قيمتها؟.. وإن كان ما يخرج منها فيه شفاء للناس {وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ} في تعبير كتب العلوم هذه الأيام يقال: الطبيعة علمتها ذلك، وهذا تعبير سخيف.. فهل يوجد مسلم يقول: أن الطبيعة علمت النحلة أن تعمل كذا؟.. بل قل: الله -عز وجل- أوحى لها، {قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى}.. وكذلك رب العالمين أوحى إلى أم موسى وهي امرأة، لا هي نبي ولا وصية نبي، رب العالمين أوحى إليها وربط على قلبها {وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ}.. والتثبت الذي صار في قلب أهل الكهف {إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ}، بسبب هذا الإيمان،يقول القرآن: {وَزِدْنَاهُمْ هُدًى} {وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ} إنه تصرف إلهي في قلب هؤلاء، وطبعا عندما يصل الأمر إلى نوم أهل الكهف، الإنسان ينتابه العجب من لطف رب العالمين ببعض عباده!.. الأم إذا كان لديها ابن معوق عندما ينام تقلبه يمينا وشمالا؛ لأنه إذا نام فترة طويلة على جهة واحدة، يصاب بتقرحات ويفسد لحمه.. ورب العالمين -جل جلاله- عن هذه التعابير كأنه في دور الأم، {وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ}؛ لئلا تفسد أبدانهم.
وطبعا بالنسبة إلى آسية زوجة فرعون لا توجد كلمة أوحى الله عز وجل، والإيحاء هنا بمعنى الإلهام، ليس بمعنى الوحي الأنبيائي، ولكن نعرف أن هناك علامة متميزة لهذه المرأة التي كانت في قصر فرعون عندما {قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ} تطلب مقام العندية عند الله عز وجل، كل الجنة لله وعند الله، ولكن امرأة فرعون هذه المرأة الصالحة تقول: رب، أنت ابنِ لي عندك.. فقد تعني بهذه العبارة: أنا أريد قصراً أنت يا رب تشرف على بنائه مباشرة، أنت يا رب فقط، لا الملائكة، ولا رضوان خازن الجنان مثلا.
إن هذا العبد الصالح، هو من الذين أعطاهم رب العالمين نعمة الحياة إلى الآن على الأرض، هو ونبي الله عيسى {وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِن شُبِّهَ لَهُمْ}، فنبي الله عيسى حي مرزوق، وكذلك الخضر حي مرزوق، وهنالك قول أن النبي إلياس حي أيضا.. الخضر -كما هو معروف من بعض النصوص- كان على صلة بأئمة أهل البيت عليهم السلام، ويحضر كل موسم، يحج بيت الله الحرام، وهنيئا له من ذلك العصر إلى يومنا هذا كم له من التوفيق!..
وعلى كلٍ الفضل والتبعية لمن له مقام متميز، موسى من أنبياء أولي العزم يقول: {هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا} أنت معلمي؛ لأن هنالك عطاء إلهيا خاصا لك، حيث أعطاه الله العلم اللدني.. قد تكون أنت أعلم من إنسان في بعض الجهات، وهو أعلم منك في بعض الجهات؛ ما المانع أن تستفيد من علم من هو أعلى منك في بعض الجهات؟.. في تاريخ بعض علماء النجف الأشرف، كان الأستاذ هو الأعلم في الفقه وفي الأصول، وكان له حلقة تدريس.. ولكن كان ينظر إلى بعض طلبته، فيرى فيهم تميزا أخلاقيا؛ كان يتخذه شبه أستاذ له.. فإذن، ما المانع أن تكون في الإنسان هذه الصفة الإلهية؟..
نعتقد بعد هذه المقدمة أنه يمكننا أن ندخل في بحر دعاء كميل، هذا الدعاء الذي قلنا أن له قصة مع كميل، وله قصة مع الخضر، وطبعا القصة الأساسية مع أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه، ذلك الإمام الذي حورب وقوتل وعلى المنابر كان يذكر بسوء، ولكن {وَيَأْبَى اللَّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ}.. ونحن في هذا المقام بفضل الله بعد قرون، ورب العالمين في الدنيا قبل الآخرة وحتى قبل ظهور وليه المهدي -صلوات الله وسلامه عليه- يظهر فضائل أولياءه لأنه {كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ}.